النموذج الليبي والنووي الإيراني- رؤية إسرائيلية وفرص التصعيد المحتملة

المؤلف: منصور براتي08.29.2025
النموذج الليبي والنووي الإيراني- رؤية إسرائيلية وفرص التصعيد المحتملة

منذ استلام دونالد ترامب مقاليد الحكم في البيت الأبيض، سعى كبار المسؤولين الإسرائيليين، مدعومين ببعض المسؤولين الأمريكيين، إلى الترويج لما يُعرف بـ "النموذج الليبي" كإطار عمل تفاوضي للتعامل مع المسألة النووية الإيرانية الشائكة.

وفي هذا الصدد، صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عقب انتهاء زيارته إلى الولايات المتحدة في مايو/أيار 2025، قائلاً: "نحن متفقون على ضرورة منع إيران من امتلاك أسلحة نووية. يمكن تحقيق ذلك من خلال اتفاق، ولكنه يجب أن يقتدي بالنموذج الليبي، بمعنى أن تقوم إيران بتفكيك وتدمير منشآتها النووية، وإزالة جميع المعدات ذات الصلة تحت إشراف أمريكي صارم. هذا هو الاتفاق الذي نعتبره مثاليًا".

وتابع نتنياهو قائلاً: "البديل الآخر، والذي نعتبره غير مستحب، هو أن تماطل إيران في المفاوضات، الأمر الذي قد يدفع إلى اللجوء للخيار العسكري. الجميع يدرك ذلك، وقد تباحثنا في هذا الأمر بتفصيل كبير".

وبالمثل، صرح السيناتور الجمهوري، توم كوتن، في مايو/أيار من نفس العام، بأن الرئيس ترامب يفضل أن يكون الاتفاق مع إيران مماثلاً للاتفاق الذي أبرمته ليبيا مع الولايات المتحدة في عام 2003.

ومع ذلك، لا يزال هناك غموض يكتنف التصور الإسرائيلي الدقيق لـ "النموذج الليبي" في سياق المفاوضات مع طهران. يتميز هذا النموذج أولاً بنظرة متشككة للغاية تجاه نوايا وممارسات إيران في ملفاتها النووية والإقليمية والصاروخية. ثانيًا، بمعارضة أساسية للنهج التصالحي النسبي الذي اعتمده "برنامج العمل الشامل المشترك" (الاتفاق النووي) الذي تم إبرامه في عام 2015. كما يعتمد هذا النموذج على افتراضات وأجندة التيار اليميني في إسرائيل.

"النموذج الليبي" من وجهة نظر إسرائيل

يتكون هذا النموذج – وفقًا للتفسير الإسرائيلي – من عدة عناصر جوهرية لا يمكن تصوره بدونها. ويُعد المطلب الملح بـ "التفكيك الكامل والدائم للبرنامج النووي الإيراني" من أبرز البنود التي يتم تداولها عند الحديث عن هذا النموذج في وسائل الإعلام الدولية. وهذا يعني رفضًا قاطعًا لأي شكل من أشكال تخصيب اليورانيوم داخل إيران، وتحت أي ظرف من الظروف.

أما الجوانب الأخرى لهذا النموذج من منظور الدوائر العسكرية والأمنية الإسرائيلية، فتشمل:

  • وجود تهديد عسكري حقيقي وفعال ضد إيران، مع الإبقاء على خيار الضربة العسكرية مطروحًا، حتى في حال التوصل إلى اتفاق.
  • إلزام إيران بتقديم تعهدات راسخة ودائمة غير قابلة للنقض أو التراجع عنها.
  • جعل آلية رفع العقوبات محدودة الأجل وغير دائمة، بحيث يمكن إعادة فرضها فور حدوث أي انتهاك من الجانب الإيراني، على عكس ما ورد في "بنود الغروب" في اتفاق عام 2015.
  • توسيع نطاق المفاوضات ليشمل النفوذ الإقليمي الإيراني، وبرنامجيها الصاروخي والطائرات المسيّرة، وعدم الاقتصار على الملف النووي فحسب.
  • التوصل إلى اتفاق سريع وفوري دون الانخراط في مفاوضات مطولة وشاقة كتلك التي استمرت بين عامي 2013 و 2015.

ويتضح جليًا أن ما تسميه إسرائيل "النموذج الليبي" لا ينحصر فقط في تفكيك البرنامج النووي الإيراني، بل يمتد ليشمل اتباع نهج أكثر شمولية يهدف إلى كبح جماح الدور الإقليمي لإيران أيضًا. ويبدو أن تل أبيب لم تشرع بعد في معالجة الملف الإيراني بشكل مباشر بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وذلك بسبب تعقيداته المتشعبة، والحاجة الماسة إلى التنسيق مع واشنطن لضمان دعمها الكامل لأي خيار يتم طرحه.

ومن بين الأسباب التي أدت إلى هذا التأخير، بالإضافة إلى انشغال إسرائيل بالحروب الدائرة في غزة ولبنان، هو الاعتقاد السائد بأن إدارة جو بايدن، على الرغم من دعمها الأمني لإسرائيل، لم تبدِ أي حماس تجاه خيار توجيه ضربة عسكرية لإيران. أما في الولاية الثانية لدونالد ترامب، فقد حالت تعقيدات المباحثات الجارية بين طهران وواشنطن حتى الآن دون تمكين إسرائيل من التحرك عسكريًا ضد إيران.

ومع ذلك، تشير الدلائل إلى أن إسرائيل تستعد لتدشين مرحلة جديدة من المواجهة مع طهران بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، من خلال شن سلسلة من الهجمات السرية والخفية، والتي من المحتمل أن تشمل عمليات اغتيال لشخصيات بارزة، وأعمال تخريب تستهدف البنى التحتية الحيوية، وشن هجمات على قواعد عسكرية استراتيجية.

ينطلق التحليل الإسرائيلي من قيدين زمنيين أساسيين. الأول يتمثل في أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض تمثل "فرصة ذهبية"، تتزامن – بمحض الصدفة – مع ضعف المحور الإقليمي الداعم لسياسات طهران. وتعتبر الأشهر الأولى من ولاية ترامب (من يونيو/حزيران إلى نهاية سبتمبر/أيلول 2025) بمثابة لحظة استثنائية قد لا تتكرر. ويبدو أن إسرائيل تدرك أن إضاعة هذه الفرصة سيكون بمثابة خطأ فادح لا يغتفر.

وفي هذا السياق، كلما ابتعد مسار المفاوضات الحالية عن "النموذج الليبي"، تزايدت دوافع تل أبيب لتنفيذ عمليات نوعية تهدف إلى التأثير في هذه المفاوضات وفرض معادلة ردع جديدة. بل حتى في حال توصلت إيران والولايات المتحدة إلى اتفاق، قد ترى إسرائيل أن الظرف يستدعي الرد.

أما القيد الزمني الثاني، فيرتبط بالانتخابات العامة الإسرائيلية المقبلة، المقرر إجراؤها قبل السابع والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول 2026. إذ لا يزال وضع حكومة نتنياهو هشًا للغاية بعد صدمة السابع من أكتوبر/تشرين الأول، والمعارضة تترقب الإطاحة به عبر صناديق الاقتراع.

وبالتالي، يعتقد نتنياهو أن شن عملية عسكرية واسعة النطاق ضد "العدو الإيراني" قد يكون بمثابة طوق النجاة السياسي الوحيد المتبقي له. على أن يتم تنفيذ هذه العملية قبل أن تقترب الانتخابات كثيرًا، لأن قربها قد يقلل من تأثيرها الانتخابي المنشود.

إيران وليبيا.. أوجه اختلاف جوهرية

على الرغم من التأثير العميق للعقوبات الأمريكية على الاقتصاد الإيراني، والذي قد يتفاقم في حال تفعيل "آلية الزناد"، فإن السياسة الخارجية والإقليمية لإيران شهدت في السنوات الأخيرة انفتاحًا ملحوظًا؛ بدءًا من تعزيز العلاقات مع روسيا والصين، وصولًا إلى اتفاق استئناف العلاقات مع المملكة العربية السعودية في مارس/آذار 2023، واستعادة العلاقات مع البحرين، ثم رفع مستوى العلاقات مع سلطنة عُمان إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية. كل ذلك يؤكد أن إيران ليست معزولة كما كانت ليبيا.

وعلى النقيض من البرنامج النووي الليبي الذي كان محدودًا ومعتمدًا على الخبرات الخارجية، فإن البرنامج النووي الإيراني راسخ منذ عقود، ويعتقد بعض الخبراء أن بداياته تعود إلى عام 1941. كما أن إيران طورت برنامجها بشكل مستقل ومحلي، مما يجعل القضاء عليه نهائيًا أمرًا بالغ الصعوبة؛ إذ يمكن لطهران استعادته حتى بعد تدميره.

وعلقت ويندي شيرمان، مساعدة وزير الخارجية الأمريكية السابقة وكبيرة المفاوضين في المحادثات النووية، قائلة: "إن أي هجوم على المنشآت النووية الإيرانية قد يؤخر البرنامج لمدة عام أو ثلاثة أعوام، لكن إيران ستعيد تشغيله سرًا بسرعة. دعوني أكون صريحة: لا يمكنكم قصف العلم والمعرفة".

بالإضافة إلى ذلك، وعلى عكس التجربة الليبية، تمتلك إيران سجلًا تفاوضيًا ناجحًا نسبيًا، بدءًا من مفاوضات 2002-2003، وانتهاءً باتفاق 2015، مما يجعل من غير الواقعي توقع تعامل دولي معها بنفس الطريقة التي تعامل بها مع نظام القذافي.

النموذج الإيراني؟

يشير التقدم المطرد في المفاوضات الجارية بين وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، ومساعد الرئيس الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، إلى أن المناخ التفاوضي الحالي يختلف بشكل واضح عن الطرح الإسرائيلي، حيث تغيب الرؤية التصادمية والعدائية.

وعلى الرغم من عدم توفر تفاصيل مؤكدة بشأن نص الاتفاق المحتمل، فإن طهران على ما يبدو لا تقبل فكرة التخلي الدائم عن حقها في تخصيب اليورانيوم. وقد يكون أقصى ما توافق عليه هو تعليق عمليات التخصيب لمدة ستة أشهر، مقابل اعتراف رسمي بحقها في التخصيب، وتعليق شامل لجميع العقوبات – بما فيها العقوبات الثانوية – من قبل الرئيس الأمريكي، وهو ما يمكن وصفه بمنطق "التعليق مقابل التعليق".

ومن بين المقترحات الإيرانية الأخرى تشكيل اتحاد دولي مسؤول عن أكسدة مخزونها من اليورانيوم، وتخفيض نسب التخصيب من 60% إلى 3.6%، مع القبول بمناقشة التفاصيل في وقت لاحق.

الخلاصة

يبدو "النموذج الليبي" كما تتبناه إسرائيل أكثر تشددًا وتطرفًا مما تسعى إليه الولايات المتحدة في مفاوضاتها الحالية مع إيران؛ بدءًا من التفكيك الكامل للمنشآت النووية، ورفض حق التخصيب، وصولًا إلى فرض التزامات أبدية، والإبقاء على التهديد العسكري، ووضع شروط صارمة لرفع العقوبات، والتوسيع الفوري لنطاق المفاوضات.

لكن، الفروقات الشاسعة بين الحالتين الإيرانية والليبية – من حيث القدرات الذاتية، والنفوذ الدبلوماسي، والسجل التفاوضي – تجعل تطبيق هذا النموذج أمرًا بالغ الصعوبة والتعقيد.

ووفقًا للمؤشرات الراهنة، قد ترى إسرائيل في الفترة الممتدة من يونيو/حزيران إلى سبتمبر/أيلول 2025 نافذة زمنية مواتية لتنفيذ عمليات سرية ضد إيران، بهدف إرساء قواعد ردع جديدة، وتعطيل مسار التفاوض الجاري بين طهران وواشنطن. ومع ذلك، يبدو أن "النموذج الليبي" بمفهومه الإسرائيلي أبعد ما يكون عن إمكانية تطبيقه على أرض الواقع.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة